الإرجاف- خطر يهدد الأمن الوطني.. استراتيجيات المواجهة والوقاية.

المؤلف: هاني الظاهري10.16.2025
الإرجاف- خطر يهدد الأمن الوطني.. استراتيجيات المواجهة والوقاية.

بالأمس، استمعت بإمعان إلى محاضرة قيمة للعقيد تركي الحربي، المتحدث الرسمي لرئاسة أمن الدولة، ضمن فعالية حديثة بعنوان «الإرجاف وسبل مواجهته». كانت تلك المحاضرة بمثابة تنوير مهم لكل فرد في مجتمعنا، إذ أنها سلطت الضوء على قضية خطيرة قد يغفل عنها الكثيرون، بل وينجرّفون معها دون إدراك للعواقب الوخيمة على المجتمع والأمن القومي.

الإرجاف، يا سادة، هو بمثابة سمّ قاتل يستهدف الأمن القومي عبر بث الشائعات والمعلومات الكاذبة والمضللة، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض استقرار المجتمعات وتهديد أمنها وأمانها. لذا، سأتناول في هذا السياق تعريف الإرجاف، وأبرز الأسباب الكامنة وراءه، بالإضافة إلى استعراض الاستراتيجيات الأكثر فعالية لمواجهته والتصدي له.

في الاصطلاح، يُعرف الإرجاف بأنه التعمد في نشر الأباطيل والأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة، بقصد إثارة الهلع والخوف والذعر بين الناس. ويتجلى ذلك في صور وأشكال مختلفة ومتنوعة، منها الشائعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي تُستخدم كأداة رئيسية لتعطيل عجلة التنمية واستقرار المجتمع وتقدمه. ومع التقدم التكنولوجي المذهل، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي مرتعاً خصباً للإرجاف، مما ساهم في تسريع وتيرة انتشاره وتعميق تأثيراته السلبية.

أما عن الدوافع التي تغذي الإرجاف وتحفز بعض الأفراد على ممارسته، فهي عديدة ومتشعبة، ولعل من أهمها:

- خدمة مصالح سياسية معادية: حيث يُستخدم الإرجاف كأداة لتحقيق مآرب سياسية للخصوم، وذلك من خلال نشر الأكاذيب والأراجيف وتضخيم الأخطاء وتعميم روح اليأس والإحباط، بهدف التشويش على أداء الحكومات المنتخبة أو إثارة الفتن والمعارضة ضد سياساتها الرشيدة.

- الصراعات الاجتماعية: تنشأ بعض الشائعات نتيجة للخلافات والتجاذبات الاجتماعية والعرقية أو الطائفية، وهنا يستغل مروجو الإرجاف هذه الخلافات لتأجيج نار الفتنة وتقويض الوحدة الوطنية ونشر الكراهية وتفتيت النسيج الاجتماعي المتماسك، وهو ما يخدم مصالح بعض الأطراف أو الأفراد دون أدنى اعتبار لخطورة ذلك على الأمن القومي برمته.

- التأثيرات الاقتصادية المدمرة: قد يتم استغلال الإرجاف من قبل بعض الجهات لإحداث تأثير سلبي على الأسواق المالية أو للإضرار بسمعة شركات ومؤسسات اقتصادية منافسة، الأمر الذي يشكل خطراً داهماً على الاقتصاد الوطني بشكل عام.

- الرغبة الجامحة في الانتقام أو التسلية: في بعض الأحيان، قد يلجأ الأفراد إلى نشر الشائعات وممارسة الإرجاف بدافع الانتقام الشخصي أو لمجرد التسلية واللهو، دون أدنى إدراك للعواقب الوخيمة لأفعالهم الطائشة.

- تضليل وتزييف الحقائق: يعمل الإرجاف أحياناً على توجيه الرأي العام نحو قضايا هامشية بعيداً عن القضايا الوطنية الجوهرية، وذلك لخدمة أهداف ومصالح فئات أو جهات معينة على حساب أمن واستقرار الوطن، وهذا تحديداً ما أشار إليه العقيد الحربي بقوله: «لا سقف يعلو فوق سقف الوطن».

في عصرنا الحالي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة السلاح الأمضى للإرجاف؛ نظراً لسهولة الوصول إليها وانتشارها الواسع النطاق. ومع غياب الرقابة الفعالة وغياب ثقافة التحقق من مصداقية المعلومات، تحولت هذه المنصات إلى وسيلة فعالة لتضخيم الأخبار الكاذبة وإحداث تأثيرات سلبية مدمرة في فترة وجيزة.

إن التصدي لظاهرة الإرجاف واجب وطني مقدس يتطلب تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع، من خلال تبني استراتيجيات فعالة ومتكاملة، من أهمها:

1- تعزيز الوعي المجتمعي: يجب العمل على غرس ثقافة التدقيق والتحقق من صحة الأخبار والمعلومات قبل نشرها وتداولها، وتوعية جميع أفراد المجتمع بمخاطر نشر الشائعات والأخبار المغلوطة.

2- تعزيز الشفافية الحكومية: وهو ما تتميز به المملكة العربية السعودية في ظل الرؤية الطموحة 2030، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، من خلال توفير المعلومات الدقيقة والموثوقة عبر القنوات الرسمية، مما يحد من انتشار الأخبار المضللة والكاذبة.

3- سن وتفعيل القوانين الرادعة: يجب تفعيل التشريعات التي تجرم نشر الشائعات والأخبار الكاذبة، مع فرض عقوبات صارمة ورادعة على كل من يروج لها.

4- الاستفادة من الذكاء الاصطناعي: يمكن الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة لرصد الشائعات والأخبار الزائفة على شبكات التواصل الاجتماعي بسرعة فائقة وتحليلها بدقة متناهية، ومن ثم الحد من انتشارها وتداولها بين الناس.

5- دعم الإعلام الموثوق: من الأهمية بمكان دعم وتشجيع المؤسسات الإعلامية التي تنتهج المصداقية والموضوعية في نقل الأخبار والمعلومات، ومحاربة القنوات الإعلامية التي تنشر الإرجاف وتثير الفتن.

على الرغم من كل الجهود المبذولة، يبقى الإرجاف تحدياً خطيراً يهدد استقرار المجتمعات وسلامة أمنها القومي. ومع تزايد تأثيره بفعل التكنولوجيا الحديثة، يصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى التصدي له بوعي جمعي وتعاون وثيق بين الأفراد والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية.

إن ترسيخ الثقة المتبادلة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، وتعزيز الوعي المجتمعي بخطورة الشائعات، هما خط الدفاع الأول في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة. وعندما يدرك الجميع مسؤوليتهم الكاملة في مواجهة الإرجاف، يصبح المجتمع أكثر قوة وصلابة وتماسكاً، وقادراً على حماية أمنه واستقراره، والتصدي لكل ما يهددهما من مخاطر وتحديات.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة